Tuesday, December 26, 2006

المسكن 34


الضحكات المكتومة التي رآها في عيون وملامح من حوله أثبتت له أنه سيعاني كثيرا بعد أن تم الإعلان عن المنطقة التي يتوجب عليها إحصاءها.وهو لم يكن في حاجو إلى ذلك كي يعي إلى أي شئ هو ماض. إذ أن الظروف قبل ذلك قادتهمارت عدة إلى ذلك الحي الهامشي الذي يعي أنه مصدر كل شئ . كما سمع عنه الكثير من الحكايات و الوقائع.لم يكن خاف عليه حساسية الموقع وخطورته. فصدا ذلك الحي كان قد وصل خارج حدود البلد بسب بعض شخصياته التي شاركت في أحداث أحداث أسالت الكثير من الدم، ووقعت بذلك على لحظة تحول كبير غير من معالم الحاضر و المستقبل.وقف عند أعلى الحافة رفقة مرشده الذي كان يعرفه على الحدود الدقيقة لجزيرته الذي عليه أن يقوم بمسح شامل لها. والمرور بكل دورها وجمع المعلومات المختلفة عن سكانها وممتلكاتهم.المنطقة كانت تبدأ غرب الشارع الإسفلتي الذي يمر محاذيا لقمة الربوة ثم تنزل على طول الرقعة على المنحدر لتلتوي يمينا داخل قلب الحي السكني الذي يشكل المهاجرون والناس الذين قذف عسر الحياة بهم إلى هناك.بدا العمل فيما يعتبر الجزء الراقي من الحي داخل الجزيرة. وانتظر وقتا غير قصير لدى طرقه أول باب، لينفتح على رأس كان يخرتقه أخدود طويل لم تفتر دماؤه بعد.الشخص ذو الرأس المكسور كان يعتقد ان الطارق قد يكون خصما يبحث عن جولة جديدة من العراك، او قد يكون رجل امن. لكن ملامحه سرعان ما لانت تعابيرها حين ٍرأى الوجه المسالم هو من يقف خلف الباب. فسأله بنبرة فيها الكثير من الخوف: من؟رد الباحث متلعثما: إحصاء.قال الرجل: عد في وقت أنسب من هذا.شعر الباحث ان القناعة التي بنى عليها خيار تطوعه في الحملة ، والمرتكزة بالأساس على حصوله على مبلغ مالي يخفف من حدة أزمته قد بدا واهيا. وان الخسارة الممكنة قد لا تقدر بثمن. كان قد قرر أن لا بهتم لشئ، وان لا يتأثر بما سيراه أو يسمعه. لكن لم يضع مثل هذا الموقف في حسبانه. لكن ها كل شئ يتلاشى وهو يشتم هذه الرائحة المخيفةحين طرق الباب الثاني، فتح رجل في عمر متقدم. وتبين له أن هذا الرجل قد حلق لحيته منذ أيام قليلة .أخرج الرجل وثائق وقدمها للباحث الذي انزوى جانبا من الباب وأخذ يعبئ الاستمارة. غير أن الرجل سرعان ما بدا له أن الوضع غير مناسب. فطلب منها أن يدخلا للبيت. وحين تم ذلك تغير الكثير.أصر الرجل على أن يكون هو المتحدث. وانطلق في محاكمة طويلة للعالم الذي جسده في شخص الباحث الذي وضع الأوراق جانبا وظل ينصت إلى أن أفرع الرجل ما لديه.حين توغل داخل الحي، بدأ المتاعب تتنامى وتتوالى. وفكر غير قليل من الناس في جعل استمارة الباحث بيانات تدين وتفضح البعض لتوريطهم من قبل البعض الآخر. واعترضه أحد الأشخاص وهو يتجه نحو أحد المرافئ ليبلغه علنا أن الرجل الذي سيملأ استمارته بائع للمخذرات. وأن عليه أن يثبت ذلك في الاستمارة. وحين أنهى جملته، كان شخصان برفقة امرأة ينقضون عليه بالعصي لتنشب معركة تدخل عدد هائل من سكان الحي من أجل فضها.في العمارة المجاورة لذلك المرفأ، دقا بابا في الطابق الثانية وقت الظهيرة لتفتح له سيدة عارية إلا من تبانها. وبعد أن ارتدت لباسا شفافا، عادت من جديد وطلبت منه الدخول، لكنه رفض بشدة. غير أن عزيمتها كانت الأشد. وحين سحبته بالقوة إلى الداخل، قادته إلى عمق المسكن وأجلسته على حافة سرير كانت ترقد عليه فتاتان عاريتان تنعمان بسبات طويل من تأثير ليلة كانت طويلة جدا.تنفس الباحث الصعداء حين أتم مسح الجزء العلوي من الجزيرة، وبدا يتوغل أكثر في عمقها .كان يتوجه حسب تسلسل أرقام المباني في خريطته إلى المسكن 34 . ألقى نظرة عن بعد. بدا له أنه أول بيت مستقل بدون طوابق. اعتقد أن مرحلة العمل الكثيف قد انتهت.اجتاز الباب الأحمر ليقطع سردابا طويلا قبل أن يصل لباب المسكن. وحسب التعليمات، كان عليه أن يتفحص المرافئ المشكلة للمبنى قبل أن يبدآ عمله.التفت إلى كل الاتجاهات، وحين هم بطرق الباب، رأى أدراجا واسعة تتجه إلى الأسفل. وفي تلك اللحظة فتحت سيدة الباب فسألها:هل هناك سكان في الأسفل؟ضحكت السيدة وقالت: انزل وسترى.بدا النزول وعند منعرج كبير، لاح له الباب. لكن عندما وصله، وجد أن الأدراج مستمرة في النزول إلى طابق أسفل. وواصل النزول إلى الطابق الثالث فالرابع فالخامس.أحس الباحث أن أنفاسه تختنق. وأثارته تلك الزرقة التي تعلو الجداران. والرائحة الكريهة المصحوبة بالرطوبة. و حين لمس الجدار، وجدها مشبعا بالماء ويتفتت بسهولة. وفي تلك اللحظة نبهته غريزته أين يوجد هو. و أن على يمين هذه العمارة الباطنية أو قد يكون على يسارها كانت عمارة مماثلة لها. أنها تهاوت مخلفة خسائر بشرية تناقل خبرها كل وسائل الإعلام في العالم بأسره.انبعثت فكرة رهيبة في ذهنه. سأل نفسه: هل لديه مع الله عقدة تضمن له أن لا تتهاوى هذه العمارة إلا حين يصير خارجها؟ .وحين تنهار عمارة أو مبنى، هل يتم ذلك في أوقات محددة لا تسح بوقوع عدد كبير من الضحايا؟وإذا كانت كل الأجوبة بالنفي، فما الذي يمنع هذه العمارة منان تنهار الآن في هذا الوقت؟كانت رجلاه وقواه هي التي تولت الإجابة. وبسرعة خارقة كان في الأعلى خارج العمارة. نظر حواليه. شعر بروعة الحياة في العوالم العليا. وقرر ان يذهب ليرتاح مؤجلا تعبئة استمارات المسكن 34 .


يتبع



عبد الله البقالي


No comments: