Thursday, December 28, 2006

مع "صفعة" هشام الشاوي


نص هشام الشاوي يبدأ مع تلك العبارة التي تجعلنا نحس أننا في ساحة يحتمل أن يحدث فيها كل شئ، وأن لا يحدث فيها شئ في نفس الآن.من داخل هذا المشهد الكبير، يتجه بناالكاتب الى زاوية صغيرة تحكي تفاصيلها الصغيرة مايروج ويظهر ويخفى داخل العالم المتحول الكبير.ينفتح المشهد على ذلك الخمسيني. والحدث يفيد ضمنياأن الرجل كان بإمكانه أن يعيش ظروفا مغايرة كليا لوأنه فعل مثلما فعل الكثيرون.غير أن سن الرجل له دلالة كبيرة يجب التوقف أمام ماتوحي به.رجل في الخمسين من العمر يعني اليوم اشياء كثيرة. فبتتبع المسار الذي قطعه نجده قد عاش قضاياكثيرة في حياته. فهو قد عاش اوج مراحل الفكر القومي. وعاصر كل حركات التحرر القومية والعالمية. وعاش ايضا الرهان الكبير الذي حلمت به زمناكل شعوب الأرض، والذي هدف الى التخلص من سيطرة الاستغلال وثقافة رأسمال.ذاكرة وهوية هذاالرجل هي التي تجعله على غير وفاق مع التحولات التي أتت من بعد.وجعلته في عزلة بعد ان انحصر واجهض الحلم. لكنه ظل حيث كان.والتصق بكائنات العوالم السفلى. ولهذا نفهم لماذا ظل يعاشر المجانين و السكارى والمنبوذين كمااورد الكاتب.بعد هذاالتقديم الجيد والتأثيث المناسب لفضاء النص، يتقدم الحدث الى المنتصف...."تناهى إلى مسامعه صوت إحداهن "هذه غرفته سيدي"التناقض بين شخصية النص وزائره يتجلى من البدء في المظهر. فالعنايةيقابلهاالإهمال. والتطلع يصطف مقابل الفتور، غير أن هذا يبدو تافها أمام ما تلاه."أفي هكذا مكان حقير يعيش كاتب مشهور؟قبل أن أورد تعليقي على على مضمون هذا السؤال. اعلق على الأسلوب الذي أورد به.وأتساءل ما ان لم يكن من الأجدى صياغته بطريقة أخرى. كمثال" أفي مكان حقير كهذا يعيش كاتب مشهور؟وأعتقد أن صياغةالسؤال بطريقة الأخ هشام الشاوي مردها الى تأثره ببعض اللغات الأجنبية.لأعد الى السؤال و أقول أن السائل كان شديد الذكاء،وخبير في عمليات الإختراق. ويتسلح بمنطق حساباته دقيقة. فهو رفع من شأن الكاتب وحط من وسطه. وكذلك من أجل جعل غرور الكاتب يهيمن على منطقه وذاته، وبالتالي على فكره ومبادئه. وهو أسلوب شديد الفعالية وأثبت نجاعته لدى غير قليل من المثقفين المهرولين السطحيين في علاقتهم بالقضايا التي كانوا يدافعون عنها.داخل نفس السؤال لا بد من الإنتباه ان المكان الذي قصده السائل ليس مجردمكان.بل هوموقع وتموقع.وهومحيط بأكمله.بكائناته وقضاياها ورهاناته. والانسلاخ الذي يدعو إليه السائل هوانسلاخ شامل وتغيير للوجهة بكامل حساباتها.جواب شخصية النص كان ايضا بنفس العمق واكثر وعيا.وهوأفاد أنه يعي أين هو.ويفيد أيضاأن ماهومادي كهدف غير وارد لديه كنوع من الطموح.بعد فشل المقايضة المادية، تواصل عامل الإغراء والجذب. وينتقل المقايض إلى ماهومعنوي:"الأ تغضب حين يصف بعض بقية ا لمثقفين"المرضى عنهم" كتاباتك بأدب المراحيض"؟هذا السؤال هونص لوحده.فهو يشير لردة فعل المثقف أولا من الأصداء التي تخلفها أعماله. وهومن جهة ثانية يشير الى تصنيف المثقفين في علافقتهم بماهورسمي. ويشير ثالثا للإبداع المرتبط بما يسمى بأدب الهامش.غير أن هذه النقط جميعها يمكن ادراجها في موضوع واحديلخص في علاقة المثقف بالواجهة. أذ هل الإبداع هو من أجل خلق عالم بديل ولا يعني المبدع غير هذا شيئا، أم أن الكاتب يفعل ذلك من اجل تحسين شروط حياته وتصدر جلسات الإستضافة على شاشات التلفزة والمهرجانات و الصحف والمجلات؟السائل يقدم إغراءاته في هذا المجال بكونه قادر على نقل شخصية النص من المجهول الى المعلوم. ومن النبذ الى الواجهة. ومن النسيان الى الحضور الدائم. لكن مثلما حصل في السابق، تتكرر خيبة السائل بعد ان تصرح شخصيةالحدث أنها غير مهتمة بالأصداء التي تخلفها.ولتقييم الاخرين لماينتجه.ينتقل النص إلى الذروة بعد ان تفشل كل أساليب المداراة.ويظهر بوضوح موضوع الزيارة.ويتضح اكثر أن تدرج الحوار يشي بأن كل الأجوبةالتي سبقت كانت متوقعة من قبل السائل .وان ذلك التدرج كان مقصودا."لم لا تطلب اللجوء الى تل أبيب؟"أنا اسأل نفسي قبل أن أتابع محولةفهمي لهذا النص.عن اي شئ يشي هذا السؤال؟ عن غباء السائل وسوء قراءته لمعطيات الواقع ، أم أن السائل أراد ان يبلغ الاخر حقيقةغابت عنه متمثلة في كون اسرائيل صارت هي القدر الذي يحدد مصائر كل من يمارس التفكير؟مهماتكن الإجابةفلا يبدو أن السائل يمكن وصفه بالغباء. فكونه جاء يبحث عن كاتب في ذلك الصقع البارد المنسي هو دليل فطنة ونباهة.النص في الأخير يطرح تساؤلات ضمنيةكثيرة. عن المثقف ودوره. عن التحول ومسألةمناهضته اومجاراته.عن الكتابة والارتباط بالقضايا. عن ترابط الاشياء والوقائع في عالم غدا بلا حدود.بخصوصم مؤاخذاتي على النص. فانا لم افهم موقع السؤال الذي يرمز الى دار النشر وطبع ملايين النسخ ."ألا يهمك أن..."السبب أن مثل هذه الشخصيات تحاصر في الواقع بعناية. وتغلق في وجهها كل الأبواب، هذا في وقت يعتبر طرف الحوار الأخر اكثر من مجرد شخص. بل هوتجسيد لارادة قوية ونفوذغيرمحدود في الوقت ا لراهن. وبالتالي فمنطق تطور الحوار يفترض أن تظل شخصيةالنص محاصرة في هامشها. كما أن النهاية لم تكن متجاوبة مع الفنية التي حفل بها النص. واعتقد ان الاخ هشام له من الإمكانيات ما يجعله يضع نهاية بشكل افضل بكثير من تلك.
عبد الله البقالي

No comments: