Thursday, December 28, 2006

ابتسامة سليمان


لا أحد عرف متى جن سليمان ، و لا كيف تم ذلك . بل و لا يبدو أن هناك من العقلاء من اهتم بأمر إنسان منبوذ لا يسأل عنه أحد كسليمان .صورته تأبى مغادرة الذهن حتى لو شوهد ولو لمرة وحيدة . جسد ووجه نحيل . متوسط القامة ، لحية خفيفة متوسطة الطول . عينان واسعتان تفصح عن مزيج من مسالمة وفرح و لا مبالاة . بين ذقنه وشفتيه يلوح ما يشبه بركة مشكلة من اللعاب الذي يبلل دائما نصف سيجارته . يرتدي جلبابا ينزل الى اسفل ركبتيه بقليل . لا يتحدث أبدا . لكنه دائم الابتسام .في إحدى خلواته بالغابة المجاورة لقريته الصغيرة ، رمى مرة بعقب سيجارته . وحين اندلع حريق هائل بدا ينظر إليه و يبتسم . و ظل محتفظا بالابتسامة ذاتها وهو ينظر الى كثبان بشرية كانت و كأن الأرض تقذف بها فتهرول اتجاه الغابة .ابتسم أيضا حين أتى إلى بيته رجال يرتدون زيا موحدا و أمروه كي يمضي برفقتهم . و أمأ برأسه مجيبا بالإيجاب عن كل الأسئلة التي ألقيت عليه وهو يبتسم أيضا .ركب سليمان لأول مرة في حياته سيارة وهي تمضي به في وجهة لم يعرف عنها أي شئ . انبهر وهو يرى تلك المعالم المجهولة ، لكنه لم يتخلى عن ابتسامته . غير أن الصور الجميلة سرعان ما اختفت حين أودع مكانا تحيطه أسوار شاهقة ، حشرت فيه أعداد هائلة من البشر .أنذاك اختفت ابتسامة سليمان الذي أحنى رأسه للأرض و لم يرفعه . سأله أحدهم ما بك يا سليمان ؟رد سليمان : يخنقني الضيق هنا ، و أود العودة من حيث أتيت .عقب الرجل : لكنك أحرقت الغابة و لن تغادر هذا المكان قبل ان تنهي مدة العقوبة .أجاب سليمان مندهشا : ألم يتمكنوا من إطفاء الحريق بعد ؟قال الرجل : بلى .احتج سليمان : أذن لماذا يستمر حبسي أذا كانوا قد تمكنوا من إخماد الحريق ؟
عبد الله البقالي

No comments: