Saturday, December 23, 2006

قصــــــــــة ســـــــؤال


الخبر يسري سريان السم في الجسد . و راية بيضاء يتوسطها رسم لأيد متصافحة ترفرف في سماء القرية .الناس يتهامسون .. يتحدثون.. يسترجعون لحظاتهم معه . اصراره على اقتحام الأفق المحظور .صور مرعبة حكى عنها القادمون الذين اجتازوا الحقل المرصود لا تغري احدا باقتحامه . لكن عمر كان هنا . على هذه الربوة في مواجهة الطريق المختفية في أحشاء الغابة كان يجلس . يمعن النظر فيكبر السؤال . يجيب , يتسع المجال . تكبر الرغبة داخله في اقتحام الأفق المرصود . تغذيها حالات الكسوف المتكرر و تجليات الشقاء و الاملاق المنتشر في كل مكان.- لا ياعمر . هفوة متك كافية كي تفقد سجلي بريقه , و حينها سأندم على كوني أنجبتك.عمر يضحك . ينظر لذلك الجسم المجوف فيحس بالاشفاق عليه و هو يراه يرزح تحت تلك الحمولة الثقيلة من التخلف و الاغتراب و الأمجاد الزائفة.يتناهى اليه صوت رقيق : ان كان مقدرا ياعمر أن نفقدك فلا نريد أن يكون ذلك بمشيئتك .. لحظة لحظة رعيناك على امتداد السنين التي تفصلك عن يوم و لادتك .. كل رعشة انتابتك كانت كافية كي تجعل النهار يمتد في الليل . كل ارتسامة ألم على محياك كانت كافية كي نطوف بك العالم لنجعل محلها اشراقة امل .. كل و كل وكل ..وعمر يصم أذنيه . يصرخ في أعماقه : متعبدا في محراب حبكم كنت و سأظل . من أجلكم قتلت العقم في روحي مدفوعا بالحب الذي لا يولد بقرار ..الشمس تغيب .الظلمة تهيمن على المكان. عين مفتوحة تبحث عن ومضة نور في أحشاء الظلمة.هاهي . تلتقطها العدسة الدقيقة . تتوقف . ترسل شذرات متوهجة ثم تغوص في محيط الغرفة. الومضة تكبر وتكبر . تتحول الى شمس صغيرة . تدفع العتمة للتقهقر . تبدأ الصور مسترسلة في الظهور . يتأملها . وجوه ملائكية , أزهار فردوسية . نغمات من وتر سحري تملك النفس و تأسرها . شموع من كل الأنواع و الالوان. يسمح لنفسه كي تسترخي . يستعذب حلمه الجميل . أحس بالأمن . أغمض عينيه مدة ثم فتحها . نظر الى لوحات حلمه. أحس بالهلع وهو يرى تلك الثغرة وقد انفتحت وسط الحلم الجميل وصارت تبتلع الاضواء و الشموع التي تنيره . جرى اليها . وضع كفه عليها، لكن الثغرة اتسعت . أسند ظهره عليها . أحس بتيار قوي يجرفه داخلها وبعدها وجد نفسه يسبح داخل فضاء مظلم منعدم الجاذبية . رأى شموع حلمه تتجه يمين النفق في حين كان تيار قوي يجذبه تجاه اليسار . شمعة كبيرة من شموع حلمه كانت تسبح جانبه . تمسك بها , انجرفت معه .الجاذبية تعاود مفعولها وعمر يجد نفسه على أرض باردة مظلمة ويتساءل : لماذا لم ينجرف مع شموع حلمه ؟صوت من داخله يستنكر تساءله : أتخاف الظلمة وقد ولدتك أمك ليلة الغارة ؟عمر يقرفص . يصغي السمع لحوارات منبعثة من مكان ما داخل جسده . تمر به وجوه عرفها قديما و أخرى تعرف عليها خلال مشواره الأخير . تخاطبه من مواقع مختلفة .أنت تحب كثيرا يا عمر لا تدع السؤال يكبر يا عمر المنافذ مغلقة يا عمر تحمل المسؤولية يا عمر انت مدان يا عمر كرسيك شاغر على المائدة يا عمر عشقا كنت يا عمر نشد على يديك يا عمر عمر يقوم , يتمسك بشمعته التي تستمد توقدها من حرارة جسده . الظلمة تنهزم و تتراجع . عمر يفجر اللغم الأول من ألغام الحقل المرصود . ينيط الستار عن وصية قديمة و يجهر بالدعوة.كم لبنة في هذ الصرح ؟....كم وقفة في هذا المسار ؟... كم عتبة في هذا الدرب ؟...كم لغم في هذا الحقل ؟..لتنفجر الألغام , و ليتجل المسار الذي يفضي الة عتبة الجواب عن سؤالنا القديم.
عبد الله البقالي

No comments: