Thursday, December 28, 2006

قراءة في نص .."العقدية الجديدة " لعبد السلام المودني


يطل النص على لحظة التحول. وقد مدد الكاتب وقفته. و أرسل إشارات كثيرة لخلق تساؤلات شتى تتعلق بالاشخاص و الواقع. ذلك الواقع المتصف بالجمود. فالأسئلة التي شغلت الأجيال السابقة هي نفسها التي تؤرق الاجيال الجديدة. كما ان طول غياب بوعينين هو مدعاة لتساؤلات كثيرة منها ما ان كان ما سيحكيه بوعينين سيكون قد التقط بعيون منظومة هيدور أم أنه يسكون مخلصا و امينالموضوعيته فيما سيرويه.وهل ستتغير الأوضاع وتنقلب فقط لأن بوعينين سيحكي عن واقع بمواصفات مختلفة ؟لا بد من الإشارة قبل المضي الى النهاية لشئ في غاية الأهمية.وهي مسألة تقسيم الفضاء الوارد في النص إلى شمال وجنوب. والذي عبر من خلاله الكاتب عن التفاوت الحاصل في مناطق الأرض. وهو تقسيم له مرادف آخر متمثل في الشرق الغرب. فلم فضل الكاتب شمال جنوب عن الشرق و الغرب؟لاشك أن الذي قرأ النص بتمعن ، وسبق له ان اطلع على اعمال سابقة للكاتب سيدرك أسباب هذا التفضيل رغم انه لا يضع بينهما فارقا. و السبب أن مفهوم الشرق و الغرب ينطوي على صراع تؤطره أبعاد عقائدية وفلسفية. فالشرق الروحاني يقابله الغرب المادي. وهذا التقسيم يغيب قضايا كثيرة مرتبطة بما هو اقتصادي واجتماعي. في حين ان مفهوم الشمال و الجنوب يعني الحديث بشكل مباشر عن تقدم وتطور يقابله ركود وتخلف على كل المستويات. ولأن كل ما قرأته للأخ عبد السلام المودني يخندقه في خانة هذا الصراع المرتبط بالصراع الاجتماعي ومسألة الهوية فهذا يرجح سبب هذا التفضيل في رأيي.أشرت من قبل أن مفهومي الشرق و الغرب غير منفصلان عن بعضهما. وهذا بدا واضحا في خطاب بوعينين يا سلالة الأماجد، تأخرنا كثيرا عن أرض الشمال. .." خطاب بوعينين يستوجب الكثير من الانتباه. لا من حيث الشكل و لا من حيث المضمون. فهو في بدايته خطاب منغلق متعصب مشكلته أنه لا يجد خطابا مقابلا يؤجج تعصبه. وعوضا عن ذلك يرى واقعا متقدما لا يمكن ازاءه ان يتهم حواسه بكونها متواطئة ضده. وتسوق له وقائع مزيفة. ذلك الواقع الذي فيه من الرحابة ما يستوعبه هو نفسه. لكن بالرغم من ذلك فتأثير منظومة هيدور الفكرية تظل حاضرة رغم كل شئ . وهذا يتضح في الخطاب نفسه. فبوعينين يتحدث سلالة دون ان يشير الى الارض مقابل أرض دون ان يشير الى سلالة. هل هي دعوة لاجتياحها؟لا اظن ذلك.وببساطة لأنها غير مؤهلة لذلك. أذ ان السلالة التي غيبها بوعينين في مستهل خطابه سرعان ما تتضح معالمها وسطوتها التي جعلت بوعينين نفسه يضرب بعرض الحائط بكل ما تعلمه في سلالة الامجاد..."أن اهلها الذين لا يستحقون رضى الأرض و السماء قد تجاوزونا بكثير في كل شئ واختلفوا عنا في كل شئ. في الاكل و الملبس و العادة و اللغة. وكل ما تعلمته هنا لم يكن بذي جدوى، إذ اضافوا وحذفوا وحرفوا واستحدثوا ..."الإنجاز المادي المتصل بالحياة هو الحاسم وليس الخطاب الحماسي . ومن ثم كان لا بد من حجة في حجم معجزة. وكان لا بد من نبوءة جديدة. نبوءة الاله "آلو"إن كان من غموض في هذا النص كما ارتأى الكثير من الإخوة الذين تناولوا هذا النص قبلي ، فأنا قد وجدتها في هذه الأحجار الملساء. وتفسيري الوحيد لها انها رمز الرموز في هذا النص.ولا أملك بصددها سوى ترجيحا بكون الكاتب قد ترك للمتلقي ان يحدد كنهها بمرجعيته الخاصة. فقد توهمت أنها الهاتف النقال كرمز للحدود التي انهارت وفرصة التواصل الكبير الذي بدا بلا حدود عكس الضيق و الانغلاق الذي تأسست عليه فلسفة هيدور. إلا أن الغموض لم ينجل كليا .كمثل ما حدث في نهاية رواية "مائة عام من العزلة" و التي قدر فيها لسلالة "بوينديا" أن تنتهي مع فك آخر فرد منحدر منها رموز وطلاسم مخطوط الغجري"مالكويداس" المكتوب باللغة السنكريتية، جاءت النهاية متسارعة مع نهاية خطاب بوعينين. وانفتخت عيون عصر على عصر. انفتاح لم يكن بمقدور المنظومات القديمة ان تستمر أو ان ترد وتنكر وتجاحد.
عبد الله البقالي

No comments: