Tuesday, December 26, 2006

وجهي و المدينة لمنذر أبي حلتم - وقفة نقدية -

وعي شقي
هناك نصوص تمتلكنا لحد اننا - ودن ان نعي ذلك - ننصهر فيها بعد ان نجد شيئا ما منا داخل ذلك المكنون الكامن فيها ، فلا نحس ونحن نجري مشدوهين بالحدث لا الى القفزات و لا الى المنعرجات التي يمليها تطور الحدث ، يمنعنا من ذلك الاندهاش و الانبهار و حب استطلاع جارف لمعرفة ما سيحصل .كل هذا يمسح التباعد بين المبدع و المتلقي ، وينبئ على ان الكاتب قد امتلك القدرة من خلال قيامه بعلاقة تحويل ناجحة داخل نصه لا فيما يخص طريقة استيعابه لما اودعه نصه ، ولا فيما يخص صيغ التلفظ و نمط الكتابة .بالعودة الى قراءة النص ثانية نكتشف ان الاولى قد امدتنا بمفاتيح لم تكن متوفرة من قبل . و ان جزئيات الحدث ما هي افرازات وعي شقي تمثلت في رفض لمختلف الاشكال و الاسئلة المنبئة عن تحول شمولي يهم الاشخاص و الامكنة و الازمنة . وتحول كل ذلك الى هاجس من ان يصير مصير شخصية الحدث الى ما انتهى اليه الناس .على ضوء هذا نكتشف ان لا الوجوه وجوه ، ولا المدينة مدينة وانه بالفعل هناك خطا كما يصرح بذلك شخصية النص في مطلع القصة . و المقدمة كلها تشير الى هذا الاحساس و بوادر التحول الذي لم يستثن احدا لا المكان و لا الزمن . وان توقف الساعة هو ايذان بنهاية زمن و بداية اخر .كل ما يحوم حول شخصية الحدث يبدو متهما . الصحف و الكتب و الافق و الهواء و الشارع و الناس الذين تحولوا الى روبوهات . كل شئ يتحول و كانهم تحت تاثير مكنة سحرية ينتج عنها حالة مسخ وتشوه . وهذا المسخ لا يعني في النهاية غير فقدان الانسان لذاته . فأن يفقد الانسان وجهه معناه انه فقد السمات التي تميزه عن الاخر . وان يفقد عينيه لا يعني سوى فقدانه لبصيرته . وفقدان الفم لا يعني سوى الصمت و المهادنة و الاستسلام . وكون الشارع مقفر ليس سوى اشارة لخلوه من الفاعلين الذين آثروا الصمت بعد ان اصابهم ما اصاب شخصيات النص .الكاتب يترك النهاية مفتوحة كحدث ، لكنه يشير الى ان ما يحدث هو مجرد ظرف عابر ، وان الصيرورة هي الابقى بالرغم من انه لم يسلم هو الاخر بعد أن اجتاح الضباب بعض ملامح وجهه ." الشمس كانت تغيب دائما وراء الجبل ...في الامس ...وقبل شهر ...وقبل آلاف السنين "وهذا يعني ان ما يحدث الان ليس هو النهاية .بهذا المعنى فقيمة هذا النص تكمن في انخراطه في تشكيله جدليات المجتمع وصراعاته وتحولاته ، ويحاصر افكارا مغلوطة بمقاومته صناعة الثقافة الاستهلاكية و الكتابات التبريرية . كما نجد فيه وعيا بجوهر الابداع ، ذلك الوعي الذي يقر بخصوصية الادب في بلورة كينونة الانسان و صوغ رؤياه ، و اسماع صوته خارج جوقة " الافواه اللامجدية" كما يقول الناقد المغربي الاستاذ محمد برادة .
عبد الله البقالي
ـ ـ

No comments: