Thursday, December 28, 2006

حفلات و أزمات


استنفر الحاكم المحلي مجموع الموظفين و الاعوان لاجتماع طارئ بمقر قيادته . وعلى غير العادة ، لم يكن فضول المستنفرين متركزا حول موضوع الاجتماع، بل كان المزاج الرائق جدا لفخامته ، و الاريحية التي بدت واضحة في ردوده وتعاليقه . فالكلمات النابية اختفت من قاموسه. و اوامره غير مرفوقة بتلك الحالة الشبيهة بالسعار و الانفعال الحاد . وكل ذلك أضفى نوعا من الانشراح و السكينة في نفوس الحاضرين الذين انتظموا في مجلس تصدره سيادته الذي خاطب الحاضرين قائلا: أظنكم أدركتم أننا لسنا بصدد اجتماع أمني ، ولا نحن في مواجهة امر طارئ أو اختراق يستوجب تطويقا . الا أنني بالرغم من ذلك في حاجة الى نباهتكم وذكائكم الذي عهدته فيكم في عمليات المداهمة و الاقاع بالاعداء وقراءة النوايا ، خصوصا ان خصومنا هذه المرة لا يعلنون انهم خصوم . أريد هزيمة ساحقة لأولئك الذين اذا اقتربوا منا ماتوا ، واذا افلتوا من شباكنا تجبروا وتفرعنوا . أريد أن تثبت بالملوس أن ما يكتبه أولئك ليس سوى اوهام لا مكان لها خارج اذهانهم . و اننا نحن خير من ينوب عن الشعب في التعبير عن حبه و اخلاصه للقائد الهمام. لذا أريد أن تكتبوا اشعارا تثير المشاعر وتحيي الوطنية في النفوس التي صارت تلعن انتمائها لهذا الوطن جهارا . سأمهلكم بعض القت و ساعود لاقرا ما جادت به قريحتكم .دب الحماس وسط الاعوان و الموظفين . وتعالى صفيق حاد . واستل كل واحد قلمه ، وصار يحملق في الفضاء . ثم ينظر بعد ذلك في اوراقه .كان كل واحد يدرك أنه حتى في حال نجاحه . فالرئيس هو من سيحصد الثناء و الاشادة مادام ان كبار الاكابر لن يتعدوا الصورة البادية للعين في كون ما سيتوصلون به هو من نتاج مبادرة القائد . لكن المواساة سيكون مصدرها أن الرئيس سيظل يعترف ولو بينه و بين نفسه أن الموظف كذا كان هو وراء ما حصل عليه من ثناء . وهذا سيرفع مكانته في عينه ، وهو على اي حال ليس بالامر الهين . لكن اين له بتلك الشاعرية و ذلك السحر ؟بعض المتبارين وجد أن الاشتغال بكتابة التقارير لمدة طويلةجعل قاموسه محدودا . وهو يفتقر الى القدرة على تصوير الاحاسيس ، اللهم فيما يتعلق بتضخيم التهم و المطالبة بالزجر العنيف . و أخرون حاولوا تذكر لغة انشاءاتهم ايام الشباب . و البعض تمنى لو يسمح لهم بأحضار ابنائهم . في حين كان البعض ينظر للسماء ويكتب ما تراءى له منها .عاد الرئيس من جديد . جلس على كرسيه في اعلى المنصة . طلب ان يمدوه بما كتبوا وهو يقول مازحا : سأرى مدى استجابة بديهيتكم وتوقد أذهانكم .ألقى نظرة على الورقة الأولى . تغيرت ملامحه ليسود القاعة صمت قابل الى ان يتحول الى اي شئ على ضوء ما سيقوله القائد . لكن الاطالة و التمحييص المرفوق بما يشبه الامتعاض جعل كل واحد يتمنى ان لا تكون تلك ورقته ثم قال بصوت اثار الرعب في القاعة : ما هذا "السباط" ؟بسرعة وقف رجل داخل القاعة وقال بصوت فيه الكثير من الخنوع ..لا يا سيدي هو سبط نعم ... سبط أقصد الحفيد ..رمقه القائد بنظرة افادت الكثير جعلت الفرائص ترتعش ثم اضاف : وهل تعتقد أني حمار مثلك ؟ ... يا حيوان أنا أقرأ هذا بعين الرجل العامي حين يطالع ما كتب على لافتة في الطريق . كيف يفهم ذلك الغبي الاشياءهو ما يعنيي وتلك هي الحقيقة المطلقة بالنسبة لي . وعلى ضوئها اتعامل . هل فهمت يا حيوان ؟- نعم نعم يا سيدي . معذرة . أخطات .التقط القائد ورقة ثانية . حملق فيها طويلا وقال : صدق من قال أن الخط هو فن الأغبياء . ثم القى بها جانبا .التقط ثالثة . قرأها . ضحك . انتبات القاعة عدوى الضحك و تبادل المصافحات وعادت روح المرح لتسود القاعة . قطب القائد حاجبية فتجمدت الاجسام وهيمن الصمت . قرأ القائد :" اللهم انقص من اعمارنا وزدت ما نقصته في حياة القائد "....وقف رجل في سن الخمسين وهو في سعادة غامرة وقال في مزيج من تواضع و تفاخر .: انها ورقتي يا سيدي . ورقتي أنا ...رمقه القائد بنظرة جعلت الاخير يرتجف و قال له : وهل ما زال في عمرك ما يكفيك كي تتبرع بالفائض منه ؟... وحتى لنفترض أن ذلك ممكنا . فهل سيقبل جسد القائد بروح أنهكتها البطاطس و خبز الشعير أن تشاركها عمرها الذهبي ؟ ... التقط القائد ورقة اخرى . قرأ الكلمات الاولى . بدا مأخوذا مبهورا . اشرأبت الاعناق مستطلعة الخبر . قال القائد : هذا هو الفن . هذا هو الادب . هذا ما كنت ابحث عنه . اسمعوا ايتها الحيوانات . : الجماهير الشعبية تخلد عودة القائد من منفاه السحيق ....تأملوا معي الجزء الاخير من الشعالر ."المنفى السحيييييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييييييييييييييق " حتى المكان يصبح متواطئا ....هرول القائد للهاتف وخاطب شخصا من الجهة الاخرى .- نعم ...نعم يا سيدي -....- الجماهير الشعبية تخلذ عودة القائد من المنفى السحيق .-...العفو ... شكرا ... شكرا ..- نعم يستحق فعلا ان يكتب على ثوب باتساع خارطة الوطن ... فعلتم خيرا يا سيدي فعلتم خيرا ... ابقانا الله في خدمتكم ..وضع القائد السماعة وتلقى تهاني كل من في المنصة . وحين هم بالمغادرة التفت فجاة الى القاعة وقال . من صاحب هذا الشعار ؟ كدنا ننسى هذا الامر .وقف شاب خجول في بداية حياته العملية . سأل القائد رئيس الموظفن : في أي الخليتين يعمل ؟- في خلية الازمات.ماذا ؟ يا لهدر الطاقات ؟ ويا لسوء توظيف الكفاءات ..ا من الان اعمل على نقله الى خلية الحفلات .
عبد الله البقالي

No comments: