Thursday, December 28, 2006

متاعب السيد "جزمان"


لا يخاطب ساه. فالكلمات مشحونة بطاقة، و الطاقة لا يجب أن تصرف فيما لا نفع وراءه. ولكي يتأكد من أنه لا يهدرها، يفاجئ محدثه دوما بسؤال غير متوقع، وبترك له ما يكفي من الوقت كي يرد وهو ينظر إليه حيث لا تستطيع النظارة الطبيبة السميكة إخفاء البريق الذي يشع من عينيه. ليست مهمة التدريس وحدها من كانت وراء تلك الخبرة. بل إن عوامل ذاتية صرفة أخرى هي التي جعلته صاحب فلسفة ترى أن مشاكل الكون برمته متفرعة عن مشكل وحيد مختصر في رؤى الرعاع و النبلاء للأشياء. الرعاع مختصورن في الكلمة التي تخصهم. وهي الكلمة التي يرددها مرارا ضاغطا أكثر على حرف العين عاااااع ليبرز الخشونة و النفور و الغلظة الكامنة فيها. والانقباض الذي تحدثه في النفس. ثم يستعرض كلمة "النبلاء" التي يكررها مستشعرا محدثه نعومة الحروف و السلاسة و الرقة الكامنة فيها. لا شئ اجتهد فيه السيد جزمان أكثر مما اجتهد في تضخيم سمك الجدار الفاصل بين ما اعتبر ه تجليا لثقافة الرعاع ومظاهر النبل. مظهر أنيق جدا ومحترم. خطوات متزنة محسوبة بدقة. نظرات خاصة تلقى بشكل مدروس على هذه الجهة او تلك. وملامح معبرة تبين بوضوح البون الحاصل بين ما يفترض فيه ان يكون، وبين ما هو كائن. السيدجزمان يضيف لكل هذا ترسانة من عناوين الصحف التي يتأبطها، او كتب يحتضنها بالكثير من الرقة و المودة وهو في طريقه إلى المقهى الذي يهرع النادل لتنظيف الطاولة و المقعد الذي سيجلس عليه. وقبل ذلك يتفحص بدقة من كان النادل قد قام بفعل التنظيف على الوجه الأكمل وقد لا يتردد في مطالبته بان ينظف بعض الزوايا . وهو أيضا لا يحس بأي إحراج من أن يسرع لغسل يديه على مرأى من مصافح له وهو لا يزال يتحدث إليه. حسب تخمين غير قليل من الناس، فمتاعب السيد جزمان تفاقمت أكثر عوضا ان تتقلص. ورجعون ذلك لكون انفتاح مراكز العالم على هوامشها أتي بنتيجة عكسية جيث توسع نطاق الرعاع ليجعل النبل مجرد صورا تذكارية لمخلوقات منقرضة. غيرأن المقربين جدا من السيد جزمان يتحدثون عن مشاكل اكثر حدة وعسرا كان لها وقع قوي عليه،وجعل معارك تحضير ه العالم تتراجع خطوات كثيرة إلى الخلف. ويفيد العارفون أن السيد جزمان كان يستطيع أن يتفهم رعوية الهامشيين وسذاجتهم. وهو كان يحس اتجاههم بالإشفاق. لكنه لم يكن مستعدا أبدأ لرؤية الرعوية تستقطب من ينسبون للمعاهد العليا. مشكلة السيد جزمان الحادة ابتدأت من داخل مجال وظيفته حين استدعي لاجتياز مباراة تحسين وضعيته الإدارية والمالية. فهو قد راهن كثيرا على ذلك من أجل الخروج من أزمته التي عمرت سنوات طويلة. هذا التحسن الذي كان يراه من باب تحصيل حاصل. فهو معروف بستواه العلمي الرفيع، واالاطلاع الجيد، وتتبع وخبرة ميدانية كانت تجعله أكثر رقيا من مؤطريه أنفسهم. في المرة الأولى التي حضر فيها لاجتياز المباراة، لم ينعم طويلا بتركيزه. إذ لم يستطع أن يتجاهل زملاءه المدججين بالقصاصات التي كانوا يخرجونها من كل صوب. لم يصدق في بادئ الأمر. لكنه حين تأكد، لم يعرف في البدء ما يجب أن يقوم به. ونادى أحد الحراس وطلب منه أن يصفعه. اندهش الحارس واستفسره. فرد قائلا: أريد أن أتأكد من أني لست تحت تأثير كابوس مرعب. ظل الحارس ينظر إليه بغرابة فأضاف: أريد أن أتأكد من أني اعيش في الزمن المثبت في أعلى الورقة. أومأ الحارس برأسه بالإيجاب، فاندلعت غضبة السيد جزمان الذي اسرع الى حيث يخبئ أحد الأساتذة الممتحنين بعض القصاصات. سحبها بقوة ورمى بها في وجه الحارس وقال منفجرا غضبا:كيف بعد هذا تدعي أني في هذا الزمن وقد عهدت هذا السلوك من تصرفات التلاميذ الرعاع في الأزمن السحيقة؟ ماذا سنقول للتلاميذ غدا وبعد غد، بل ماذا سنقول للعالم؟ تجددت ثورات السيد جزمان في دورات كثيرة. ومزق في آخرها كل أوراقه بما في ذلك ورقة تعريفه، واختفى نهائيا عن الأنظار. غير أنه تردد أخيرا ان السيد جزمان شوهد وهو يدخل إحدى قاعات الامتحان وهو يتأبط عددا كبيرا من الكتب.
عبد الله البقالي

No comments: