Tuesday, December 26, 2006

مع العابرة ".انت كالسر في اعماقي"

"العابرة " اسم ابداعي متميز ، أبدع كثيرا في كتابة الخاطرة . و تميز بامتلاكه لأدوات فنية أهلت كتاباتها للرقي الى مستوى محترم . النص الحالي الذي بين أيدينا هو ثان نص للعابرة في محاولتها لكتابة نص قصصي . و لا شك ان كتابة الخاطرة هو شئ مختلف في جوانب كثيرة عن كتابة القصة . فالخاطرة هي رصد و تتبع لتداعيات وجدانية او تأملية دون الخضوع لقوالب محددة . في حين أن القصة هي تطور لحدث داخل مسار يراعي تقنيات محددة تؤطره و تجعله ينتسب الى هذا الجنس الابداعي . أقول هذا لأوضح أن ممارسة كتابة الخاطرة لزمن طويل قد يكون له تأثيرات لا يستطيع الكاتب أو الكاتبة التخلص منها . ذلك أن التعود على التحرك في مجال ليس فيه حدود قد يصبح عائقا وقد لا يخلق غير النفور من كتابة ترتكز على ثوابت . و اذا كان الأمر بهذا الشكل ، فالى أي حد وفقت العابرة في هذا الانتقال ؟ . و هل تخلصت من تاثير كتابة الخاطرة أم أن ذلك قد تحقق في حدود معينة ؟ بالقاء نظرة على عنوان النص يبدو ان هذا النوع من العناوين غير مألوف . ذلك ان القصة القصيرة تستعيض عن قصر حجمها بما بعرف بالتكثيف و التحجيم . و اذا كان الامر كذلك فالعنوان هو الاخر يجب ان يستجيب و يتجاوب مع هذه الطبيعة . و لهذا اجد شخصيا ان العنوان غير مناسب الى حد ما ، اذ كان يتوجب ان يكون مختصرا و في الوقت نفسه متجاوبا مع مضمون النص . بالعودة الى النص ، ومن خلال القراءة الأولى يتضح ان العابرة تنهل من نفس المصادر و المرجعية التي اعتمدتها في كتابة الخاطرة . وهذا يعني ان الكاتبة في مسعاها حاولت ان تخضع الكتابة الى تقنيات القصة . اذ اختارت حدثا تمثل في استحضار تفاعلات موقف ناتج عن قطيعة ، وما عاشته شخصية النص من صراعات داخلية و خارجية جعتلها محل انجذاب بين ما يستدعيه الحفاظ على الكبرياء و بين الخضوع و ارضاء غرور الاخر . النص يبتدئ من لحظة الاستعداد لاعادة تركيب مشهد يتجدد كل سنة ، وهو ما حول اللحظة الى ما يشبه التحضيرات التي تسبق عادة الشطحات الصوفية . عمدت الكاتبة الى تأطير الحدث من خلال استجلاء المكان و الزمن . و لأن الحدث هو ذو طبيعة وجدانية صرفية فالمكان لم يكن له من أهمية سوى لكون ان لا بد لكل حدث من مكان " أنا وحيدة في غرفة مظلمة " ولهذا السبب فهو قد أثث بشكل مختلف ، اذ لم يشر فيه الى وجود محتويات ، لا لكونه مظلما ، بل لأنه لم تكن هناك دواع لهذا التأثيث ما دام أن كل شئ يجري في الداخل ، ولهذا لم يكن من حضور سوى للظلمة ليصير المكان امتدادا لأحاسيس شخصية النص . في كل عمل قصصي لا بد من عناصر فاعلة تساهم في تطور الحدث . و الكاتبة نتقلنا بمهارة الى عوالم شخصية النص الداخلية ، لترصد من خلالها التطور الذي يصور الانقسام و الصراع من خلال "مونولوج" متعدد الأصوات . - قالَ لن يُثنيه عن الرحيل شئ .. سيقتلع كل جذوره التي تربطه بالمكان .. ويرحلْ ! - وقلبي ... وقلبه ... وماكان بيننا !! - أظنّه ينتظر منكِ إستجداء أكثر .. فقط لو تُرضي غروره ! - لن يحدثْ . قد لا يحتاج المرء الى بذل مجهود كي يدرك أن هذا المونولوج يهدف الى تصوير الانقسام الحاصل بين الصوتين . صوت العاطفة و صوت التعقل . فالعاطفة لا تخضع لقواعد تجعلها ممنطقة . في حين أن صوت التعقل هو قبل كل شئ لجم لاندفاع العاطفة . فالعاطفة قد لا يعني لها شيئا تقديم تنازلات ، في حين يختفي الكبرياء و الكرامة خلف صوت التعقل . الحدث ينفتح على واجهة أخرى حين يتخذ ابعادا من خلال صراع شخصية الحدث مع الاخر الذي حولها الى مجرد صدى له .و بذلك تتضح ورطة شخصية النص ، فهي حين تبحث عن تاكيد لوجودها لا تعمل الا على ان تتحول الى ظلال للاخر . و بالتالي يصبح الحاضر غائبا في حين يمارس الغائب اكبر قدر من الحضور . لا شك ان هذا المعطى يمنح النص بعدا وعمقا كبيرا و يجعله وعاءا لمضامين قد لا تكون الكاتبة نفسها قد استحضرتها لحظة الشروع في الكتابة . هكذا بالعودة الى التساؤلات الاولية يتضح ان العابرة قد نجحت في تحقيق اشياء كثيرة . كاغناء المضمون و جعل اسئلة النص تلامس ظواهر ابعد من تلك التي كانت هي الدافع للكتابة في بادئ الامر . الا ان الحدث يظل مع ذلك في حاجة الى ان يدرج بشكل اكبر من الوضوح . وكخلاصة يمكن القول انه لا يجب اغفال ان هذه هي محاولة ثانية للكتابة في كتابة نص قصصي . وهي بذلك قد حققت انتقالا ايجابيا يجعلنا نتوقع تالقا اكبر في المحاولات اللاحقة . وهذا لا ينقص في شئ من قيمة هذا النص .
عبد الله البقالي

No comments: