Thursday, December 28, 2006

رحلة عشق


في رحلة عشق طويلة، الزمن فيها كان يقاس على ايقاع حركات مجاذيفها . كانت صورة امرأة فاتنة تخترق كل الاحلام من غير استئذان. يهيم العشاق بها . تقدم لها الورود فتنأى , يطبع على طيفها اشكال قبل فتأبى . . يفيض العشق طوفانا جديدا يجرف الغرقى لعمق سحيق . يعيدهم الفجر الى الحياة و ينسون انهم باتوا صرعى. عند شهر غير مقمر كان القوم فيه يستعدون للرؤيا. انتظر الحلم بلا جدوى . اتجهت الابصار للفضاء باحثة عن باب يفضي الى نفق فيه سر شفرة ينفذون بها الى المسعى. كان البحث عسيرا . تدلت الأعناق خائبة. وفي لحظة لم تخضع لأي قياس , انتصبت أمام كل الاعين مناظير ضخمة. تركزت فيها الأبصار و صارت ترى. لم يكن حلما . كان غبارا يغطي الافق . كان نقعا و صهيل خيول .كانت جلجلة سوف مهندة. انه هو . هولاكو يجتاز ممر خيبر . يقتلع الاشجار . ينشر الدمار . في كل مكان قتلى . في كل الأنهار صرعى . هولاكو يرسم لوحة بلون أحمر قاتم و يدك الواح بابل. تصايح القوم. ابعدوا عنا هذه المناظير . لا نريد ان نرى. لا نريد أن نبصر . لنتراجع الى الوراء. التقط القوم الأنفاس. لم يصدقوا أن هناك من يمارس العشق بهذه الهمجية القصوى . و حين استداروا كان هولاكو هنا . ويح من ؟ ..أين المفر ؟.. هولاكو في كل مكان. في الشرق في الغرب في كل البلدان و الأمصار . تعالى صوت حاد " لنمارس العشق المضاد . ليقف من يملك القدرة على الوقوف و ليندس في الارض من لم يقدر مخلفا سلالة طفيلية مسترخصة الدماء. "قيامة مبكرة اذن . شهادة جديدة تنضاف لذاكرة الأسوار العتيقة. لكن أتستطيع هذه الأسوار ان تحمل كل هذا العبء و كل هذا التاريخ ؟ أليس الامر يقتضي بناء أسوار جديدة تخفف عن ذاكرة القديمة من هول ما تحمل ؟ " تساؤلات حفيدة كانت قد نجت و جدها من المجزرة الكبرى : لم مات هؤلاء ؟ لم قتلهم اولئك؟ أطل الجد خلسة على الميدان , أشار بإبهامه للقتلى و قال "هؤلاء كانوا يحبون الحياة و أولئك كانوا يكرهونها . ـ غريب ..أ متى كان يجب أن يموت من يحب الحياة و يحيى من يكرهها ؟ ـ منذ متى ؟ لست أدري . ربما من اليوم الذي رفض فيه " قابيل " أن يحيى حياة غير التي يختارها لنفسه . لكن الذي أدركه هو أن الخير خير و الشر شر , و الجريمة تنتصر ساعة التستر عليها. و عندما سيعود هولاكو من جديد.. قاطعته الحفيدة سائلة : أقلت سيعود من جديد ؟ ضحك الجد . ربت كتف الصبية و قال : لكل زمان هولاكوه لايهم من اين ياتي . قد يجتاز ممر خيبر, و قد تنبته التربة , و قد يحمله بحر الظلمات. لا يهم الاسم , قد يكون اي اسم عربي أو عجمي . لا يهم كيف يأتي . أيركب فرسا أم يحمله مكوكا لكنه يأتي ليذكر أن من يعشق بخوف يهزمه من لا يقصر العطاء في العشق ولو كان عشقه عشق الدم و القتل . ـ اذن كنتم تعرفون انه سيأتي . ما الذي شل أيديكم فلم تصدوه ؟ تأوه الجد و قال : ليته كانت الأيادي هي المشلولة . لا تعتقدي يا بنية أن الحرب تبداساعة الاعلان عنها أو أن عضلات الجندي و عدته هي الحاسم فيها . ـ احك لي ما حدث بالضبط. ـ مثلها يمكن أن يحدث لأي جسم غير محصن أمام وباء فتاك . كان الأمر طوفانا دمويا في وقت كان "نوح "قد قرر أن لا يصنع الفلك ثانية بعدما تبين له من تجربته الاولى ان انغمار العالم بالماء لا يفضي بالضرورة الى اصلاحه. سكت الجد . خرجت الحفيدة لتجول الميدان . تأملت الحرائق و أعمدة الدخان المتصاعدة من كل مكان. نظرت للأشلاء و الأطراف الآدمية المتوزعة . تساءلت : أما سيندم "نوح لو أطل ثانية على الميدان و هو يلمس الفرق المروع بين طوفان الماء و طوفان الدم ؟ سمعت صوتا خلفها . كان شيخا اقرب لشبح . قال : لا تخافي يا بنية . سمعت تساؤلاتك و خفت أن تفنين عمرك دون الوصول الى جواب . قالت الحفيدة : من أنت أولا ؟ ـ أنا رسول من نوح . ـ نوح صاحب الفلك ؟ ـ نعم . ـ لم رفض صنع الفلك ثانية ؟ ـ أأسر لك بشئ؟ ـ تفضل. ـ نوح غاضب منكم لأنه لا يرضى أن تنسب اليه سلالة مشلولة تنتظر دوما من يهب لنجدتها . اختفى الطيف . عادت الحفيدة و على محياها تصميم وعزم . حملت أشياء كثيرة . مسامير , مناشير و أشياء شتى . همت خارجة فقال الجد و على محياه علامة سفر طويل : الى أين ؟ ردت بحزم : ذاهبة لأعداد فلك للطوفان القادم. قال الجد : انتظري . خذي هذا . و عندما يهدأ الطوفان ثبتيه جيدا على الأرض , و اعملي على تلقين ما فيه لكل ركاب السفينة. قالت : ما هذا ؟ ـ لوح بابلي .
عبد الله البقالي

No comments: