Tuesday, December 26, 2006

سنة أخرى وماذا بعد ؟




سنة اخرى وماذا بعد ؟



هل تم ذلك اللقاء صدفة ام كان وراءه تدبير ؟ سؤال لا زلت لحد الان ابحث له عن جواب ، لكن بالمقابل ادرك انه ضيع علي فرصة انتظرتها سنة كاملة . كانت الشوارع في اابهى حللها . وواجهات المحلات في احلى زينتها . اضواء تسطع بشتى الالوان .ديكورات من مختلف الاشكالحركة دؤوبة نشيطة . ووجوه علاها البشر وهي تستعد للاحتفال بمطلع سنة جديدة . من هذا الخضم انبعث امامي وجه قديم تعود معرفتي له لعقود خلت . سرنا سوية نتجاذب اطراف الحديث ، وتحدث كل واحد عن مشوار حياته الذيس قطعه منذ أخر لقاء . كان كل شئ عاديا قبل ان يغوص صديقي بعيدا وهو يقول : أتذكر ذلك الحلم الكبير وعن اي شئ تمخض الان ؟ أتذكر كيف كنا نستعجل مرور الوقت كي ينزاح عن الطريق أولئك الذين كنا ننعتهم ونتهمهم بعرقلة سير التاريخ ليحل محلهم الشباب حلفاء التغيير ؟ أجبت صديقي وانا انظر لنفس البعد : حقا كانت اياما رائعة .. وقفات .. امسيات.. امال كبيرة حبلى بالاحلام و الامال ... لكن وجه صديقي سرعان ما امتقع وهو يصرخ في : لا ... قل اي شئ الا ذلك . توقفت وانا انظراليه باستغراب بعد ان بدا لي انه صار غريبا عني ، او كمثل من اقتحم جسمه شخص اخر واجبت : ماذا تقصد ؟ - انظر حواليك وسترى ما ان كان ذلك الحلم تمخض عن شئ اخر غير الجنون ازداد صديقي غرابة وقلت مستفهما : لم افهم قصدك . - تأمل جيدا هؤلاء الذين يمرون بنا وفيما هم فيه منشغلين . واوجد لي بعد ذلك ولو خيطا واحدا يربط واقع هؤلاء بتفكيرهم استغربت الامر وقلت : ولماذا انت مصر على ان تنظر للموضوع من هذه الزاوية ؟ رمقني صديقي بنظرة فيه الكثير من الاتهام وقال : لا ... لا تتهرب . أم انك صرت منهم ؟ اجبت و الذهول يكتسح ملامحي : ممن ؟ - من هؤلاء المجانين - وبم عرفت انهم مجانين ؟ صمت صديقي برهة وقال : بالامس دخلت بيت احد الطلاب لأمر خاص . لم اجد الشخص المطلوب . لكني وجدت بالمقابل صديقا له . دخلت غرفته وصرت انتظر عودته . خلال ذلك انتبهت لشئ مهم .وراعني ما رأيت . من قبل كانت بيوت الطلاب تغص بصور الثوار و الشعارات الثورية وكل شئ يرمز لرفض واقع مزر. لكن ما رأيته في تلك الغرفة كان مذهلا . فوضى الغرفة .الدفاتر و الكتب المبعثرة .الاحذية و الجوارب القذرة . اواني الطبخ وفيها ما تبقى من اخر وجبة .لكن الشئ الفظيع هو صورتين لمغنيين معروفين بالميوعة . بدأت أتأمل هذا النسيج الغريب الذي ضمته هذه الغرفة .هذا التعايش المرعب لواقعين لا يمكن ان يجمع بينهما حتى الخيال . قلت معقبا : حتى لو سلمنا بوجهة نظرك من هذا الموضوع . فكيف تبرر اتهامك لهؤلاء الذين يمرون بنا بالجنون ايضا ؟ - كيف تفسر انت سر حماسهم لاحتفال هذه الليلة ؟ - فسحة زمنية . اخذ نفس في محطة فاصلة بين رحلتين ، واحدة شارفت على نهايتها واخرى ستبدا بعد حين . ابتسم محاوري وقال : حتى وانت تتجنب الحقيقة لم تفلح في اخفاء شئ مهم . - ماهو ؟ - لو ان الامر كان يقتضي احتفالا لكان يجب ان يكون صامتا حزينا . ذلك ان هؤلاء المحتفلين ليسوا اكثر من متفرجين يقفون عند حلبة سباق يشجعون المتسابقين كي يرفعوا من سرعتهم للوصول الى خط النهاية في وقت وجيز . لكن المتسابق هنا هو الزمن . لذلك فتحريضهم له لا يعني سوى حثه على الاسراع بالقذف بهم الى حصون العدم . - واذا كان ذلك واردا ، وانه سيقذف به الى تلك الحصون سواء شجعوه ام لا . فلماذا لا يكون هذا الاحتفال عزاء لذلك المصير المحتوم نفسه ؟. قاطعني محدثي بقوة : ذلك هو الفخ . وتلك هي الحقيقة التي نتهرب منها كلما حاولت ابصارنا ان تقع عليها . - ماذا تقصد ؟ - لا ظن اني احتاج ان اوضح لك ان الارض كروية الشكل . - هذا لا يعني شيئا . - بل يعني كل شئ - هل لك فهم خاص لهذا مثلما هو فهمك لمعنى احتفال هذه الليلة ؟ - عندما يكون نصف الكرة مضاء يكون النصف الاخر مظلما . - هذا لا يعني شيئا ما دام ذلك يتم بالتساوي . - من قال ذلك ؟ - قوانين الطبيعة - اي قوانين ؟ واي طبيعة ؟ لم تعد لي رغبة في مواصلة الحديث عند بلوغنا لهذا الحد . وكيف تناقش انسانا لم تسلم حتى البديهيات من منطقه . احس محاوري بضيقي وقال : الناس هناك في الغرب وفي دوائر ضيقة من الجزء المظلم عازمون على الاحتفاظ بالنور لوحدهم الى النهاية . وهم هنك وهنا محقين فيما يفعلون . لأنهم مثال السيد الذي اطمأن على ان عبيده قد قاموا بالاشغال المطلوبة في الحقول . ثم اعادهم في المساء الى مرائبهم . وبعد ان عدهم وتأكد من ان العدد كاملا . اغلق خلفهم الباب . وصعد لاقامته مطمئنا . اذ الامور تسير وفق تخطيطه . فالمخازن مملوءة ، و السيولة تتدفق من غير توقف على الحساب . فلا مانع بعد ذلك من ان يخلق لأيامه مناسبات واعيادا . كل هذا مفهوم . لكن الغريب يا صديقي هو كيف ان سعادة السيد مرتبطة بشقاء العبد ثم تأتي لحظة تطمس كل هذا التاريخ و الحقيقة ، حيث يظهر الطرفان لهما نفس الشعور وانهما سعيدان فهذا لعمري قمة الجنون . انهى صديقي كلامه . تعكر مزاجي . سرحت بعيدا تتجاذبني رغبتان متناقضتان . حسمت الامر وعدت للبيت وانا اتساءل ما ان كنت قد اصبت بمرافقة شخص كصديقي في ليلة كهذه .



عبد الله البقالي



ـ ـ


No comments: