Tuesday, December 26, 2006

شيء من الأدب الأفريقي


ليس المقصود هنا بالنمل تلك الحشرات الصغيرة الكثيرة ، و التي تعمل بجد وتدبير محكم ، دون كلل او مللل ، ودون ان تكون لدينا القدرة على معرفة مصدر درايتها الدقيقة وتقديرها المتناهي للزمن ، وتوزيعها للمهام ، وتصميمها الفريد على المثابرة ، وعشقها اللامتناهي للعمل ونبذ الكسل . النمل هنا ليس سوى البشر ، لكنه بشر بمواصفات خاصة ، يشار اليه بالزمرة او الطغمة او النخب . ووجه الشبه بينه و بين النمل هو ذلك التصميم العنيد الذي لا يرضى بالحلول الوسطى . اذن الحديث هنا عن طينة معينة من البشر ، يصنع تميزها الافكار التي هي أبعد ما تكون عن انشغالات الانسان العادي الذي لا يحلم بأكثر من الخبز و الحب و السلم . وهي أحلام تستمد مشروعيتها من تاريخ داب على كل المنعرجات و العقبات و الانحدارات التي خلفت على الدوام جماجم و دماء رائحة العفونة في كل مكان ، و أهم من ذلك نهبا مورس تحت كل الذرائع و الاسماء و الغايات عبر تاريخ افريقيا منذ اول اتصال لها بالرجل الابيض . وحتى بعد رحيله فقد ترك بويضات مخصبة أودعها أرحام نخب مارست الفظائع بلا هوادة . فالافريقي ما يكاد تنجيه الاقدار من الاوبئة الفتاكة حتى يجد نفسه وسط رحى الاقتتال الذي يمارس تحت كل الالوان و النعرات و التصفية العرقية . وما يكاد ينعم باستراحة قصيرة حتى يتفجر نزاع جديد ليتضح ان من ائتمنوا على المصائر قد تحولوا الى طغمة فاسدة أفسدتها السلطة المطلقة بعد ان نفخت الحاشية فيه ومدت الحاكم بكل ما يبعده عن التفكير في ربط الشعوب بعجلة التنمية و التقدم ليتحول الحاكم من خادم للشعب الى سيد يخدمه الشعب . و بالتالي يتفسخ الرباط المقدس مفسحا المجال للتواطؤ و العمالة ، وليبدا جنوح جنوني نحو وهم العظمة و امتلاك السلطة الذي يتم عبر الكتابة بالدم على صفحات كتاب اسود. هي مشكلة النخب اذن التي تدخل دوما من ابواب واسعة لتنتهي الى زوايا حادة . و لأنها تفضل دوما ان تكون المتحدثة ، و أيضا لكونها لا تقبل الانتقاد فهي اول من يلقى في مزبلة التاريخ الذي يعمل على ولادة جديدة له مع اطلالة وجود ومعالم سرعان ما تصبح بالية . رحلة تبدا دوما كالحلم وتنتهي كابوسا مرعبا يجثم على الصدور ما كان ليل القهر الافريقي الطويل اصلا في حاجة اليه كي يزداد قتامة . لكن في المقابل هناك نخبا أخرى يصطلح عليه بالمثقفة العضوية التي لا تجد مجالا للحياد . بل تجد مكانها الطبيعي في عمق حركة التغيير من خلال تموقعها في عمق الحركة المناهضة لأمراض ونزوات السلطة اللامحدودة . غير ان ضيق مجالها و سطوة الحاكم يجعلها تقتصر على ممارسة التساؤل فتصنع بذلك عزلتها . الحاكم لا تخفى عليه النوايا . وهو اصلا شديدالحساسية لكل ما يقال هنا وهناك من غير عبر المدح . ولذا فالاشارات التي تهدف اليها الاسئلة ليست خافية . لكن المشكلة تاتي من الاسفل او الطرف الاخر من المعادلة و المتمثل في قاعدة الهرم والذي يطالب بأيجاد الحلول عوض ممارسة التساؤل ، فلايبقى بذلك لهذه النخبة سوى العزلة وهو مازق ورهان بعيد يعول عليه مع الزمن من خلال التحول الذي يمكن ان تسفر عليه عملية الترسب الطويلة التي تحدث في مجرى تاريخ تطور المجتمع. هذه باختصار شديد ملخص رؤية خاطفة لرواية " كثبان النمل في السافانا"للكاتب النيجيري الشهير " تشنوا أشيبي" المعروف بمواقفه المعلنة من الديكتاتوريات التي تعاقبت على حكم البلاد ، كما هو معروف بمواقفه المتعلقة بالهوية وعلاقة افريقيا بالاخر . وتشبعه بالثقافات الشعبية ودفاعه المستميت على استمراراها . فمن هو " تشنوا أشيبي " . وكيف عبر عن هذا الخطاب من خلال رواياته . ولماذا يكتب بالانجليزية اذا كان هو من انصاراستمرار اللهجات المحلية ؟ و ما موقع الثقافة الغربية و أنظمتها السياسية بالنسبة لمثقف يصنفه عمله طليعيا ؟... اسئلة كثيرة تتبادر للذهن حين يقرأالمرء لكاتب ومبدع من حجم تشنوا أشيبي . ساحاول الاجابة عنها في الجزء الثاني من هذا العمل ان شاء الله .
عبد الله البقالي
ـ ـ

No comments: