Sunday, October 12, 2008

في ذكرى ميلادك العشرين 2

كان علي أن أرحل في انتظار أن تلحقوا بي في زمن ما لاحق. ألححت على أن ترحلي معي، وهو ما وجدته خارج توقعاتي.


كنت في بداية مرحلة تحتاجين فيها إلى أمك و ليس إلي. و لأني قبل ذلك لم يكن البيت الداخلي يعني لي سوى ملجئ لمحارب عنيد يستعيد فيه أنفاسه لمواصلة غزواته التي تحدث في البعيد.


حين استدرت لأبلغك جوابي المتوقع القاطع، تجمدت و أنا أنظر في عينيك. لم تكوني المقاتلة التي تعشق كسر التحدي، لكن مسالمتك كان فيها كل الرهبة و القوة و التأثير. ووعيت ساعتها أن الانعراجات الحادة في حياة إنسان قد لا تقوى عليها كل أساليب القوة و البطش، لكن ابتسامة عادية أو نظرة منكسرة قد تنجح في تدشين ذلك. وضعتيني بين خيارين. أن ألتقطك أو أتركك لتغوصي إلى الأسفل. أن أكون مسؤولا، أو أن أعيش ملفوفا بإحساس الذنب و التقصير.


ضمنت نظراتك كل التعابير دون أن تنبسي بكلمة. مكنتيني من رؤية معنى حضوري في حياتك. و رأيت حجم الفراغ الذي سيتركه رحيلي بعيدا عنك. و بسطت لي معالم كل المنعرجات الحادة التي كنت مقبلة عليها، و التي كنت في أمس الحاجة إلى تواجد ربان متمرس كي تجتازيها بنجاح.


رأيت العالم عبر عينيك يا فدوى كما هو. متجردا من كل الأوهام التي تصورتها كساء له عليه أن يقلص أطرافه و ينقص من حجمه إن لم يجدها مواتية له. و لم أجد شيئا أسمى و لا أنبل يمكن فعله أكثر من الاستجابة لامتداد لي يطالبني بأن أكون ظهره في لحظة قد لا يكون فيها محتاجا لأكثر من مجرد إحساس بأنه لا يزحف وحيدا في دروب الحياة الصعبة.


تفسخ العالم فجاة، و لم أحتج إلى النظر داخلي لأشاهد انهيار ذلك الجدار المنيع الذي كنت أخفي خلفه مشاعري الحقيقية اتجاه الناس الذين صنعوا واحات الحب المخفية بعناية داخلي، و اخالك قد التقطت الكثير من أصداء ذلك الإنهيار و انت تنظرين إلي.


لم يكن الامر مجرد انتقال شخصين من مكان إلى آخر. كانت نهاية حياة و بداية أخرى. وبنفس القدر من التعبير المضمن، أبلغتك موافقتي.




لم أكن على وعي تام بما كان ينتظرني في المدينة. لكن خطواتك الأولى على مسار ما بعد الطفولة جعلتني أهجر المجالس و الأصدقاء و الهيئات، و أغلق كل الأبواب التي اجتهدت في كل العمر المنصرم من أجل فتحها. فعلت كل ذلك و انا اجري خلفك باكثر من طاقتي لأحقق تعادلا و موازاة في السير مع الزمن ووقائعه.


كان علي أن أتجرد من نفسي، مثلما صرت أنت مجرد طاقة لها قابلية الاستجابة للسير صوب أي اتجاه تدفعها صوبهاالريح. خلاياك كانت مفتوحة و تنتظر الاشتغال على أي شئ دون تمييز من أجل إثبات انتمائها للحياة.


على قد موازاة خط سيرك و تطلعاتك كنت اعيش الورطة. و رطة رجل فاته ان يتعلم كيف يكون أبا. كان أسهل شئ هو ان اللجوء و التحصن خلف ترسانه الوصايا و لوائح الممنوعات و فنيات الترهيب و التخويف. لكني أصررت ان أبحث فيك عن الإنسان.الإنسان الذي يعيش الحياة عبر تاكيده لجدارته في الإنتماء إليها. و يخوض في أحداثيات الظروف دون ان تتمكن أسوارها من ان تحجب عنه الرؤيا المنفتحة على الصيرورة، فلا ترتفع عينه عن رؤية مسارها وهي توالي سيرها نحو شط يقع خارج حدود وعي البشر.




لم يكن المشوار ذهبيا كله يا روعتي. لكنك كنت مذهلة. سجلك المتلئلئ بالإنجازات يشهد أنك كنت استثنائية. وقتاليتك تفسر حجم إنجازاتك الرائعة التي رغم حجمها، فأنا أرى أنها مجرد بداية.وعلي أن أعترف لك و أنت تقفين على عتبة عقد جديد، أني تعلمت منك الكثير، وأشكرك بحجم المسافة الفاصلة بيننا على كونك علمتيني كيف أكون أبا.


أعي بالكثير من الحزن و الفرح أني أقف الآن في آخر محطة من رحلة مرافقتي لك و انت تزحفين إلى المستقبل. فبعد حين ستمضين لوحدك. و سأعود بدوري إلى الخلف دون أن ادري لما سأعود.لا اعرف هل يجب أن أكون حزينا أم في منتهى السعادة. لكني أشعر بالفخر لكوني قدمت للإنسانية إنسانا، غير أني فقدت في الوقت نفسه رفيقا رائعا كان يجعل لحياتي معنى، و أني بعده لن اكون سوى أكمة شاهدة تتدفء ببقايا صور و ذكرى من رحلة لم تكن أبدا عادية.




عيد سعيد أيتها الصبية و انت تطئين مسار عقد جديد. لك كل حبي و حناني. و متمنياتي بأن يطول بي العمر قليلا كي أراك في المكان الذي حلمت بأن أراك فيه. وكل العمر و انت سعيدة

No comments: